المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة
"صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام"
مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام هي حقاً دار الإيمان كما قال (صلى الله عليه وسلم)"إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" صدق رسول الله (صلى الله عليه السلام)، وأحب البقاع إلى الله عز وجل.. لا يدخلها الدجال والطاعون.. وهى آخر الدنيا خرابا.. يشتاق كل مسلم إلى زيارتها.. وهى العاصمة الإسلامية الأولى.. منها شع النور وانتشر حتى بلغ أرجاء المعمورة منذ أن هاجر إليها المصطفى صلى الله عليه وسلم.. ومن المدينة المنورة حكمت الأرض كلها.. فشهدت الدنيا أعدل الخلفاء.. وبها قبر رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم سيدنا إبراهيم مكة المكرمة فقال عليه الصلاة والسلام "إن إبراهيم حرم مكة، ودعا لأهلها , وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة..وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا إبراهيم لأهل مكة" فهي حرم. وللمدينة المنورة شخصية جغرافية متميزة عن سائر مدن العالم، ومن الطبيعي أن تجذب المدينة المنورة انتباه العالم الجغرافي بما يميزها من تفرد، بين نظيراتها في العالم الإسلامي بصفة عامة والمملكة العربية السعودية بصفة خاصـة..
فهي درة العالم الإسلامي، اختارها الله تعالى لتكون مُهاجَر الرسول (صلى الله عليه وسلم) حيث أمره الله بالهجرة إليها كما قال عليه السلام (أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون يثرب وهى المدينة..) فكانت المدينة المنورة قبل هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام تعرف(بيثرب) وقد ورد اسمها بهذه التسمية في القرآن الكريم في قوله تعالى "وإذا قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا" وكانت يثرب من بين مدن الحجاز المتحضرة..
وتقع المدينة المنورة في إقليم الحجاز (غرب المملكة العربية السعودية) على خط طول 39 درجة شرقاً، وتلتقي عندها طرق المواصلات التي تربطها بجميع المدن السعودية.. وتقع المدينة المنورة إلى شمال مكة المكرمة بحوالي 450 كم، وترتفع عن منسوب سطح البحر حوالي 600 متر تقريباً، يحدها من الشمال جبل أحد "وهو جبل يحبنا ونحبه" كما قال الرسول ـ عليه السلام ـ، وتمتاز معظم أراضيها بخصوبة التربة، ولموقع المدينة المنورة الطبيعي خصائصه الجغرافية المتعددة، فهو من حيث الشكل العام واحة صحراوية محاطة بالجبال وبالجبيلات، وتتخللها وتدور حولها الوديان والسيول.
كانت هجرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة علاجاً مؤقتاً بسب الإيذاء الذي تعرض له المسلمون في مكة المكرمة، واستلزمت الهجرة أن يتحول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من داعية لدين الله فحسب، إلى داعية ومنظم سياسي، فقد كانت المدينة المنورة أحزاباً كثيرة منهم المهاجرون والأنصار واليهود، وكان على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يجانس بين هذه الأحزاب … وعندما خرج الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من مكة مهاجراً قال : (اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إلى فأنزلني إلى أحب أرضك إليك …) فكانت المدينة التي أصبحت خير وأطهر بقاع الأرض.. وإليها تشد الرحال زيارة وتبركاً.
وتحمل المدينة المنورة فوق أرضها قبر سيد الخلق محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأطهر وأفضل المساجد فوق الأرض بعد المسجد الحرام وهو المسجد النبوي الشريف..
**************************************************
المسجد النبوي في عهد الرسول
المسجد النبوي في عهد الرسول
الصلاة فيه تعدل ألف صلاة فيما سواه المسجد الحرام.. وإليه تشد الرحال.. ويعتبر مسجد الرسول (عليه الصلاة والسلام) أول مسجد ثابت المعالم والتاريخ.. وكان المسجد أرضاً بها نخل وقبور للمشركين، وكانت أرضاً خربة في البداية ومملوكة لغلامين يتيمين من الأنصار هما (سهل وسهيل).. وكانت هذه الأرض على موعد مع القدر حيث اشترى الرسول (عليه الصلاة والسلام) الأرض من الغلامين بعشرة دنانير، وأمر النبي (عليه الصلاة والسلام) بالنخل فقطع، وبقبور المشركين فنبشت وسويت الأرض تمهيدا لبناء أطهر مساجد الإسلام، وقد استغرقت عمارة المسجد سبعة شهور قضاها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ضيافة (أبي خالد الأنصاري) ثم أذن لفقراء المسلمين الذين ليس لهم منازل ولا عشائر أن يناموا في المسجد وقد عرف ذلك الفريق من المسلمين بأهل الصفة لإقامتهم بالمسجد على هيئة صفوف.
أما مساحة المسجد الأولى فكانت سبعين ذراعا في ستين ذراعا أو يزيد (الذراع = ستة وستين سم) وهذا المسجد الذي عمل بنائه النبي عليه الصلاة والسلام وعاونه في ذلك أهل المدينة من المسلمين، كان بناءً بسيطاً يترجم في بساطته عن يسر الإسلام، حيث اعتمد على بعض الصحابة ممن لهم خبرة في مجال البناء، وكان المسجد علي هيئة فناء مربع متساوي الأضلاع، وتحف به أربعة جدران، ارتفاعها 7 أذرع، ويتجه أحد جوانبه نحو المسجد الأقصى بالقدس الشريف، والجدار المقابل نحو الكعبة المشرفة في الجنوب، وكانت الجدران مبنية في بدايتها من الطوب اللبن، وسقف جزء منه بسعف النخيل والطين، وجعلت عمد المسجد من جذوع النخل وكان للمسجد ثلاثة أبواب هي باب جبريل، وباب النساء وباب الرحمة، وما زالت هذه الأبواب تعرف باسمها حتى الآن..
وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بأن يبني خارج الطرف الجنوبي من الجانب الشرقي مسكنان لزوجتيه السيدة عائشة بنت أبي بكر والسيدة سودة بنت زمعة ـ رضي الله عنهما ـ، ثم أضيف إلي هذين المسكنين بيوت أخرى لباقي زوجات الرسول عليه السلام ولم تكن هذه البيوت ملتصقة بالمسجد بل كان يفصل بينها وبين المسجد طريق عرضه 10 أذرع ويبدوا أن المسجد لم يكن في أول الأمر، سوى ظلة واحدة وكانت ترتكز على سوار من جذوع النخل حفت على أبعاد متساوية وفي السنة الثانية من الهجرة أمر الله سبحانه وتعالي رسوله ـ عليه السلام ـ أن يولى وجهه شطر المسجد الحرام بمكة المكرمة بعد أن كانت القبلة أول الأمر تجاه بيت المقدس، فنقلت القبلة من الجدار الشمالي إلى الجدار الجنوبي من المسجد النبوي الشريف …
ودخل المسجد في طور جديد حيث أضاف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ظلة ثانية وجعل في وسطها علامة تعين موضع القبلة وهي تعتبر الأساس الأول لفكرة المحراب، وأصبح بوسط المسجد مكان مكشوف عرف باسم صحن المسجد وبقيت السقيفة القديمة علي حالها يستظل بها الناس من حرارة الشمس وعرفت بالصفة..
ولم يكن المسجد في ذلك الوقت يشتمل علي مئذنة إذ كان المؤذن ينادى للصلاة من فوق سطح أعلى منزل مجاور للمسجد … وفى السنة السابعة من الهجرة النبوية الشريفة بعد غزوة خيبر قام الرسول (صلى الله عليه وسلم)، بتوسيع المسجد وبيوت زوجاته الشريفة، وأصبحت هذه البيوت تفتح علي المسجد مباشرة، وكان بعضها من جريد النخل والبعض الآخر من الحجارة … وأدى ازدياد أعداد المسلمين، واتقاء لحرارة الشمس قام المسلمون ما بين السقيفتين الجنوبية والشمالية بسقيفتين أخريين إلي جهة الشرق والغرب من المسجد، وظل المسجد بهذه الحال حتى وفاة الرسول (صلي الله عليه وسلم) عام 11 هـ ودفن (عليه السلام) في أرض حجرة السيدة عائشة (رضي الله عنها).
وصار تخطيط المسجد النبوي بالمدينة المنورة نموذجا للمساجد الجامعة التي أسسها المسلمون في المدن الجديدة التي أنشأوها عقب الفتوح الإسلامية مثل مسجد البصرة ومسجد الكوفة بالعراق ومسجد عمرو بن العاص بالفسطاط بمصر، ومسجد عقبة بن نافع بالقيروان.
**************************************************
المسجد النبوي الشريف.. في عهد الراشدين
المسجد النبوي الشريف.. في عهد الراشدين
بقي مسجد الرسول (صلى الله عليه وسلم) في خلافة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) دون تغيير أو زيادة وذلك بسب انشغاله بحروب الردة وترتيب الدولة بعد موت الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وفي عام 17 هـ قام الخليفة عمربن الخطاب بزيادة مساحة المسجد النبوي الشريف من ناحيته الشمال والغرب كما أنه عمّق ظلة القبلة من ناحية الجنوب ونتج عن ذلك أنه لم يعد باقياً من الجدران الأصلية للمسجد النبوي الشريف سوي الجدار الشرقي وذلك بسب وجود حجرات زوجات الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقبره الشريف أسفل حجرة السيدة عائشة (رضي الله عنها) وفي عام 24 هـ جدد الخليفة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) المسجد النبوي وذلك بتوسيعه من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية وزاد من عمق ظلة القبلة ولم يقترب من الناحية الشريفة لوجود قبة الرسول (صلى الله عليه وسلم)
وقد أصبح هذا المسجد نموذجاً يحتذي به في كافة الأقطار التي فتحها المسلمون مع تغييرات بسيطة في النسب والاتساع بحسب الحاجة وكذلك في مادة البناء والتسقيف ولكن مع الاحتفاظ بالفكرة الأساسية في التخطيط، وهي صحن أوسط مكشوف يحيط به أربع ظلات أكبرها وأعمقها ظلة القبلة..
وقد يستغني أحياناً عن الظلة المعاكسة لظلة القبلة أو الظلتين الجانبيتين ويكتفي بظلة واحدة مثلما حدث بمسجد الكوفة والبصرة، كما قام عثمان بن عفان ببناء جدران المسجد بالحجارة المنقوشة، وسقفه بخشب الساج، وجعل طول المسجد مائة وستين ذراعاً وعرضه خمسين ذراعاً، وجعل له ستة أبواب وبنى علي قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) جدراناً مرتفعة من حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه الناس..وكان ذلك هو نواة المسجد الإسلامي المبكر، وإن كانت سنة التغيير قد أدخلت علي المسجد إضافات كثيرة لم تكن موجودة مثل المئذنة والمحراب المجوف والمشكاوات الزجاجية وكرسي المبلغ وكرسي المصحف وغير ذلك مما يتماشى مع التطور العمراني والزمني
**************************************************
الحرم النبوي الشريف في عهد الوليد بن عبد الملك
الحرم النبوي الشريف في عهد الوليد بن عبد الملك
.. ظل المسجد النبوي الشريف على حاله من بعد سيدنا عثمان بن عفان إلي أن تولي الوليد بن عبد الملك الخلافة عام 88هـ فأمر بإعادة بنائه وتجديده تجديداً شاملاً، وكانت الدولة الإسلامية قد بلغت في عهد الوليد درجة من القوة والثراء والتحضر بحيث صارت أعظم دول العالم علي الإطلاق حيث امتدت رقعتها من حدود الهند شرقاً إلي أسبانيا غربا وشملت فيما شملت إيران والعراق ومصر وبلاد الشام وشمال أفريقيا، واحتكت بالحضارات السابقة عليها والمعاصرة لها وتعرفت علي مدي ما وصلت إليه هذه الحضارات في مجال العمارة..وكان العهد الأموي عصر تشييد العمائر الإسلامية الفخمة
************************************************
*